التأريخ



التأريخ

ليس هناك شك في قدم علم التاريخ الذي بدأت إرهاصاته الأولى في ظل الحضارات القديمة قبل أكثر من خمسة آلاف سنة  إذ بإمكاننا عد وثيقة الملوك السومرية وحجر بارمو المصري أقدم وثيقتين أريد بهما حفظ  الإحداث التاريخية أو نقلها إلى الأجيال التالية فيما أشارت ملحمة جلجامش أقدم ملحمة عالمية معروفة إلى قيام جلجامش بتدوين مغامراته ورحلاته في نصب من الحجر لتطلع عليه الأجيال القادمة  حيث تطور تدوين التاريخ حتى أصبح علما قائما بذاته في العصور التالية وربما مثل اليونانيون الرواد الأوائل لكتابة التاريخ بشكل متسلسل أعقبهم الرومان الذين ازدهرت لديهم كتابة التاريخ نظرا  لاهتمامهم بأخبار الأباطرة والفتوحات العسكرية مرورا بفترة العرب المسلمين وكتابات العصور الوسطى وصولا إلى العصر الحديث الذي أنتج قراءات جديدة للتاريخ مثلت منطلق القراءة العلمية الواثقة  كما في كتابات نيبور وميشيلية ورانكة وغيرهم بحيث لم  تعد   الدراسات التاريخية  تقتصر على الجانب التوثيقي وحسب بل شملت أيضا جوانب أخرى أهمها الجانب الفلسفي انطلاقا من الحاجة لفهم معنى التاريخ ومغزى حركته التي بدت بالنسبة للكثيرين  أمرا مشكلا  مادفع بعض المفكرين إلى الخوض في هذا الأمر رغبة  منهم في بلوغ بعض النتائج التي تجعلنا أكثر دراية  بما نحن عليه وما يجب فعله

 إلا أن معظم  القراءات الفلسفية  لم تستطع أن تؤسس لفلسفة  رصينة وواضحة للتاريخ  تحتوي على معايير موضوعية فبقيت مجرد مشروع فلسفة  غالبا ما تخضع للاجتهادات فهذا أدور جيبون  يرى( أن التاريخ لايحتوي قط إلا  على جرائم وحماقات الإنسانية ) وان مسيرته ماهي  إلا تتويج لواقع الضعف الإنساني ووقوع الكائن البشري تحت سطوة الخطيئة  ما يعني انه يعد التاريخ نتاجا لذلك الضعف ووجها من أوجهه  الأمر الذي جعله يشكك بوجود معنى ايجابي للتاريخ  فهو عنده مجرد سلسلة من حماقات  لايجدر بنا الاحتفاء بها  أو وضعها كعلامة  لوجودنا

أما فردريك انسيون فيرى ( أن تاريخ الجنس البشري وأقسامه الكبرى الشعوب منشغل بصورة رئيسية بالكفاح ضد الطبيعة والأهواء الإنسانية ومسرح هذا الكفاح هو العالم ) وهو هنا يخالف جيبون لأنه يرى في التاريخ حالة ضرورية  بإزاء المحيط السلبي الذي يعيش فيه الإنسان فالتاريخ يحفزنا على اختيار أفضل طريق من بين عدة طرق ممكنة ويوجهنا نحو المعاني الأصيلة لوجودنا فبدون ذلك ربما سنبقى تائهين ضمن دوامة الحياة الهادرة وهذا الطرح  كما هو واضح  يشير إلى دور الإيجاب في صنع حركة منطقية تعطي للتاريخ معنى بدل أن يكون حالة سائبة بلا أي هدف  وهذا ما بشر به هيجل ولكن بطريقة متفائلة عندما أكد على ( أن تاريخ العالم  ماهو إلا تقدم الشعور بالحرية ) حيث كان للثورة الفرنسية على مايرجح  تأثيرها الكبير في أفكاره وربما ساهمت في منحه هذا التفاؤل بعد أن  رأى بأم عينيه مبادئ الثورة الفرنسية وهي تخترق الأرجاء طولا وعرضا لتطيح بالكثير من العروش و النظم الاستبدادية  وتقوض  والى الأبد  ثقافة الخنوع و العبودية  طارحا أن التاريخي ليس إلا ظهور نمو الروح المطلق لان التاريخ بالنسبة له يمتلك غاية كبيرة تمتد إلى ما وراء الهدف الإنساني إلى الروح الذي يحكم العالم  ( أن تاريخ العالم بجميع ما تجلبه حولياته من تغييرات هو عملية نمو الروح وتحقيقه – الفلسفة الإلهية الحقيقية – أي تبرير الله في التاريخ )