الحياة الثقافيـة والاجتماعيـة:
الحياة الثقافيـة والاجتماعيـة: تحتاج حياتنا الثقافية في هذه البلاد إلى يد قوية تهزها أركانها كي تستيقظ من سباتها لتؤدي دورها المنوط بها والمرجو منها، وأكاد أقول إن هذه الحياة تحتاج إلى معجزة. النشاطات الثقافية تكاد تكون موسمية، مع الاحترام لكل من يبادر إلى تنظيمها وإقامتها، المؤسسة الثقافية تتعامل مع الثقافة والإبداع بصورة عامة على أنها كماليات، فائضة وزائدة عن اللزوم وربما بالإمكان الاستغناء عنها، الصحف المحلية تضع الثقافة والأدب، في الدرجة الأخيرة من اهتمامها وربما قبلها بقليل، بضغط من أفراد غيورين، فما أن تتلقى إعلانا في اللحظة الأخيرة قبل إغلاق الصحيفة، حتى تبادر إلى حذف الصفحة الأدبية إذا كانت موجودة أصلا، والى وضع الإعلان في مواقعها. مع هذا لا تعدم احد المنتفعين المستفيدين، ينبري لتبرير هكذا وضع، فيأخذ في الدفاع عن سلطة محلية ينتمي إليها، يأكل من خبزها ويضرب بسيفها، قائلا لك إن أوضاع سلطاتنا المحلية لا تسمح لها بأداء دورها في تقديم المطلوب منها دعما للحياة الثقافية، فترد عليه قائلا إن المطلوب لا يتكلف هذه السلطات سوى المبادرات والنيات الحسنة، فيتهرب منك قائلا، ليتفق المبدعون فيما بينهم أولا، بعد ذلك تطلب من المؤسسة أن تقدم الدعم لهم وللحياة الثقافية. مثل هذا المنتفع يوجد في كل مكان، وربما في كل مجلس، مع تغير الأدوار فهو حينا مُنطّق باسم مؤسسة ثقافية، لها عصبتها، وهو أخر عامل صغير في مؤسسة صحفية أو سواها |
|
وقد اشتهر الأندلسيون بحب الثقافة والإطلاع، وتقدير العلماء وإعلاء مقامهم، ولذلك كثر العلماء في الأندلس، وكثرت مؤلفاتهم، وقدمت الأندلس للثقافة الإِسلامية العربية أعلاماً بارزين في مختلف العلوم والفنون. |
وقد انتشرت المكتبات في الأندلس، وأقبل الناس على اقتناء الكتب، حتى قيل: إن كل بيت في الأندلس لابد أن يكون به مكتبة حتى لو كان صاحبه عامياً. |
وقد أنشأ الحكم بن عبد الرحمن الناصر مكتبة كبرى في قرطبة تعتبر من مفاخر الأندلس، ومن أشهر المكتبات في العالم الإِسلامي. |
وكذلك عملوا على جلب الكتب واستنساخها من المشرق، حتى قيل: إن النسخة الأولى من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني قد عرفت في الأندلس قبل المشرق، ذلك أن الحكم المستنصر قد بعث إلى أبي الفرج بألف دينار ذهبا، فبعث إليه أبو الفرج بالنسخة الأولى قبل أن يخرجه للناس في العراق. |
وقد رحلت مجموعة من طلبة العلم في الأندلس إلى المشرق لتلقي العلم والأدب، ولنقل الثقافة المشرقية إلى المغرب والأندلس، ومنهم يحيى بن يحيى الليثي الذي رحل إلى المدينة المنورة، وتتلمذ على الإِمام مالك رضي الله عنه، ثم عاد إلى الأندلس. وكذلك رحل شاعر الأندلس المشهور يحيى بن الحكم الغزال إلى بغداد، والتقى بأدبائها، وروى عنهم الشعر. |
كما أن الأمويين في الأندلس قد عملوا على جلب العلماء من المشرق إلى الأندلس وذلك لنشر العلم، فكان أن هاجر إلى الأندلس نخبة من علماء المشرق في الفقه واللغة والأدب وغير ذلك، مثل: أبي على القالي صاحب كتاب الأمالي، وأبي العلاء صاعد بن الحسن البغدادي. |
وقد كان المجتمع الأندلسي خليطاً من أجناس مختلفة؛ فهناك العرب الذين دخلوا الأندلس فاتحين أو هاجروا إليها بعد الفتح، وهناك البربر الذين شاركوا في الفتح الإِسلامي أو نزحوا من الشمال الإِفريقي، وهناك سكان الأندلس الأصليون من الأسبان الذين اعتنقوا الإِسلام، وكذلك أصناف أخرى من جنسيات متعددة كالصقالبة وغيرهم. |
وقد اندمجت فئات المجتمع الأندلسي، ووحد الإِسلام بينها، وأصبحت اللغة العربية لغة الجميع، وساهموا جميعاً في الحضارة الإسلامية في الأندلس. |
كما أن لأهل الأندلس عناية كبيرة باللغة العربية؛ فقد تعربت الأندلس بعد الفتح بفترة قصيرة، ثم جاء الأمويون وهم متعصبون للغة العربية وآدابها فعملوا على نشرها وخدمتها، وكان أكثرهم من الشعراء والخطباء، فازدهرت اللغة والأدب في الأندلس، وكان من نتاج ذلك هذا التراث الأدبي واللغوي العظيم الذي خلفه لنا الأندلسيون، وساهموا به في خدمة اللغة العربية. |
وقد كانت الأندلس درة الحضارة الإِسلامية في أوربا، وكانت مضرب المثل في الجمال والنظافة ومظاهر المدنية، فقد كان الأندلسيون بطبعهم ميالين إلى النظافة والعناية بالمظهر الحسن والأناقة في اللباس والمسكن، وكانت طبيعة الأندلس تخلب الألباب بمروجها الخضر وأشجارها الجميلة وأزهارها الفواحة وأنهارها الرقراقة المتدفقة. |
ثم أضافوا إلى ذلك ما أحدثوه من قصور جميلة ومدارس كثيرة ومساجد عظيمة، تدل على تقدم الفن الهندسي في البناء وعلى الذوق الجميل، وقد بقيت آثارهم إلى عصرنا هذا شاهدة على عظمتهم وذوقهم الرفيع. |
ولم يخل المجتمع الأندلسي من عوامل الضعف ومكونات الفساد، فقد كان كثير منهم يميل إلى حياة الترف والدعة والإِسراف واللهو والغناء بسبب ضعف الإِيمان. |
ثم إن وجود عدد من الأسبان الذين لم يسلموا وعدد آخر من اليهود في وسط المجتمع الأندلسي كان من عوامل الانهيار والضعف، إضافة إلى استعانة بعض الحكام وخصوصا في عصر الطوائف وما بعده - بالنصارى من ملوك الأسبان الحاقدين على الإِسلام والإِصهار إليهم، كل ذلك قد أدى إلى انهيار الدولة الإِسلامية في الأندلس وخروج المسلمين منها في آخر الأمر. |
وقد كان لتلك الحضارة العظيمة التي أنشأها المسلمون في الأندلس الأثر العظيم الواضح على أوربا جميعها؛ فقد كانت أوربا تعيش في عصر الظلام والانحطاط والجهل في الوقت الذي كانت الأندلس تعيش في قمة الحضارة، فتلقت أوربا العلم عن الأندلس، ورحل الأوربيون إليها لدراسة الطب والعلوم الأخرى. |
وقد أقر الأوربيون بفضل الحضارة الإِسلامية في الأندلس عليهم، وألفوا في ذلك كتباً ودراسات كثيرة. |