المجال الاسلامي



المجال الاسلامي
تتّسم الأنظمة المعرفية الدينية الاسلامية بمنظومة من البديهيات، لكونها تخاطب/ تكلّم المجموعات البشرية، بلغة غير هجينة فضلا عن أنّ الانظمة المعرفية الدينية، تفتقد إلى جهاز مفاهيميّ ومقولاتي معقّد، يكون بحاجة إلى مستويات ثقافية أو أدراكات فكرية متقدمة.
لذا فإنّ أوّل عمل إجرائي يتوجّب القيام به، عند تناول أزمة الأنظمة المعرفية الدينية، هو العودة إلى السير السوسيولوجية والسياسية للبنيات المؤسسية، والتي تمثّل أهمّ بكثير من محاولة فكّ طلاسم النصوص الدينية المعرفية، لاكتشاف المأزق البنيويّ لهذه الأزمة في الحقل الديني.
اذ أنّ التشكيلات الدينية تنطوي على نواة شاملة تنالها الأزمات كجوهر مقدسي، أسوة بالمجال الانثروبولوجي للدين (المتعدد والمتنوع)، ولكون النص الديني جزءا من أثريات تاريخ الثقافة، نجد أنّ منتجي المعرفة الدينية (الانتلجستيا، التقنيون، العلماء) يقومون ببناء شبكة من التمركزات والتحيزات الذاتية والتوازنات المعرفية والانتظامات الثابتة والمطلقة، يعسر الإخلال بها، شأن الموقف المستديم من المفاهيم المفتاحية للتنوير والحداثة والإصلاح، كالتقدم والعقل والعلم والتكنولوجيا والحرية الفردية والآخر المختلف دينياً وسياسياً، ويتمّ تغليفها بطبقة مثيولوجية غير قابلة للخرق على المستوى الثقافي، وظيفتها حفظ الذات إزاء متغيرات الحداثة بالنسبة للأفراد والجماعات، هذه العملية تجري عبر التراكم البطيء والمستمر للنصوص، وتؤدي إلى (فهرسة نماذج ثقافية سريعة الانتشار، استبطانات دينية، فتاوي آليات تكفير، مزج مفاهيمي)، وهي محاولات لامتصاص صدامات الحداثة والضغوطات التاريخية، وقد أسهمت عوامل بنيوية معقّدة داخل المجتمعات الإسلامية، في ظهور عارم للخطاب الديني، المؤسّس سياسياً. صاحب هذه العودة تضخيم الذات الدينية في تاريخ المجتمعات الكولونيالية، إزاء فجوة التقنية والحداثة السياسية والفلسفية والأدبية والاقتصادية، وبروز السلطة الرمزية التصورية، المرتبطة بالوظائف المقدسة للأنظمة المعرفية الدينية، والتي تتمحور حول مفاهيم وعلاقات اقتصادية تشكل رؤية للعالم الواقعي (التاريخ، الهوية)، والعلاقة بين هذه المستويات والنظام الفوق- طبيعاتي الذي يمثل حدّا فاصلا بين المجموعات الدينية داخل النظام الكلي للهيمنة على حقل المعنى المقدس.
لذا فإنّ قراءة حقل الأنظمة المعرفية الدينية، والذي يمثل أحد المنتجات الايديولوجية (للدين) واكتشاف أدواته المنهاجية والمقولاتية وتأطيراته المجتمعية والأرضية السياسية، يتطلّب طرح شبكة من التقاطعات الفكرية والتاريخية، وإخضاعها إلى مجال التداول النقدي، حيث يقع (الإسلام)، غير المحدّد كنظام معرفي وديني، بالارتباط مع الحداثة في نقطة تمركز قصوى حول النرجسية القومية والتعصبات الهوياتية والتضخم والاستيهام الذاتي.
وهنا يتمّ طرح أزمة الأنظمة المعرفية الدينية، في ضوء أزمة البنيات المؤسساتية الصلبة (المؤسسات الاقتصادية والمؤسسات الاجتماعية وتحولات النسق السياسي وانهيار الخطاب العلمي التاريخي)، وتأتي هذه المحاولة رغم كثافتها الفكرية، وفق متطلبات النشر، لتقديم تصورات نظرية عن هذه المسألة وتمظهراتها الآيديولوجية بوصفها انتاج رحم مادي – اجتماعي، وعلاقتها بالسيرورات عبر الفاعلين (أفراد- جماعات- مؤسسات) لترسيم الهوية/ المعرفة،/ القوة، وتشريح النظام المعرفي الديني الإسلامي كأنموذج، وإعادة اكتشاف ممكنات الحداثة، لتجاوز الوحدانية والعقل الاصطفائي والنصية المقدسة، التي يتميز بها الحقل الفكري الديني بشأن أسلمة المعرفة والثقافة والسلطة السياسية.