العنف ضد المرأة



تتفشى ظاهرة العنف ضد المرأة في جميع المجتمعات، المتقدمة منها أو المتخلفة، لكن نسبة هذه الظاهرة وانتشارها  وكذا طريقة تعامل هذه المجتمعات مع هذا الأمر هو الذي يختلف من بلد لاخر.
في المغرب تتظافر الجهود من أجل القضاء على العنف ضد المرأة، والذي يتواجد بجميع أشكاله في المجال الحضري والقروي. لكن هذه الجهود تظل في العديد من الأحيان غير كافية لاسيما مع عدم وجود أي قانون صريح وواضح يحمي المرأة من عنف الرجل وغطرسته.
ومع ذلك فمنذ عدة سنوات اتخذت الحكومة المغربية على عاتقها مسألة التصدي إلى هذا الأمر  بوضع  إستراتيجية وطنية لمناهضة العنف سطرت معالمها وزارة التنمية الاجتماعية المغربية كما وضعت خلايا استماع للنساء ضحايا العنف في المستشفيات ومراكز الشرطة والمحاكم، لتقديم المساعدة للمتضررات ولكن عمل هذه الخلايا غير واضح، وهو الأمر الذي ركز عليه تقرير مرصد “عيون نسائية” الخاص بالعنف لسنة 2008  حيث شملت التوصيات، تجهيز خلايا استقبال النساء ضحايا العنف بكل الإمكانات اللازمة لأداء عملها في أحسن الظروف،  ومتابعة هذه الخلايا للتعرف على طبيعة عملها بشكل دقيق.
ولهذا ففي العديد من اللقاءات تعبر الفاعلات الاجتماعيات عن تذمرهن  من قلة الموارد المالية التي قدمتها الحكومة للجمعيات، وتوضحن  أن ذلك الدعم يظل رمزيا أمام احتياجات الجمعيات المدنية. وبالتالي فعدم التعاون والتكامل بين إستراتيجية الدولة والمؤسسات لا يخدم وضعية المرأة، كما أن إرادة الدولة في ما يخص مناهضة العنف غير مجسدة بالشكل المناسب وغير مفعلة بالطريقة التي تريدها الجمعيات.
كما تجدر الإشارة إلى أن المرصد المغربي للعنف ضد النساء “عيون نسائيةسجل خلال السنة المنصرمة حدوث 26 ألف و77 فعل عنف مورس ضد 4044 امرأة زرن عشرة مراكز استماع تشرف عليها الجمعيات المنخرطة في المرصد بمدن مغربية مختلفة.
ويكشف هذا  التقرير السنوي الثاني،  والذي تم عرضه قبل شهر على أنظار الصحافة، عن حجم انتشار ظاهرة العنف الممارس ضد المرأة المغربية وهول المآسي الاجتماعية والآثار النفسية والجسدية والاقتصادية المترتبة عنه.
وتفيد الأرقام المسجلة سنة 2009 أن أفعال العنف الممارسة ضد كل امرأة تشكل ما معدله ستة أفعال لكل حالة تم الاستماع إليها بالمراكز العشرة المنضوية تحت لواء مرصد “عيون نسائية”. وإذا كان المرصد وقف على ظاهرة ممارسة العنف بنسبة تفوق 70  بالمائة لدى فئة الشابات المتراوحة أعمارهن ما بين 18 و40 سنة، فإنه يؤكد أن الظاهرة تعاني منها أيضا نساء يفوق سنهن ال60.
و لهذا ففاطمة، وهي أم في الأربعين من عمرها، تؤكد هذا الطرح بقولها إن “موقع المرأة يوجد في البيت”، وأنها لا تملك الحق في مغادرته دون إذن، وتحكي فاطمة قصتها مع المعاناة من عنف واضطهاد زوجها قائلة “زوجي يضربني لأتفه الأسباب، ولا أملك الحق في الدفاع عن نفسي أو التعبير عن أفكاري أو المطالبة بحقوقي الزوجية. وبالرغم من أن له علاقات نسائية كثيرة، فأنا لا أستطيع أن أعبر عن رفضي لهذه العلاقات”. وتقبل فاطمة هذه الوضعية بسبب خوفها من حرمانها من أولادها، لأنها لا تتوفر على التعليم أو التكوين لكسب قوتها بمفردها، كما أن مغادرتها لصفوف الدراسة مبكرا جعلها غير مدركة لحقوقها.
حالة فاطمة لا تختلف عن كثيرات يعشن نفس الوضعية وفي صمت في المدن كما في القرى المغربية. كما أن التعنيف في المغرب لا يطال المتزوجات فحسب، وإن كانت نسبتهن تصل إلى 32ر55 بالمائة، بل أيضا أمهات عازبات (9ر29 بالمائة) وفتيات عازبات (5 بالمائة) وأرامل (2 بالمائة) ومطلقات (7 بالمائة).
كما أنه لا يهم فقط الأميات (64ر32 بالمائة) واللواتي لم يتجاوز مستواهن الدراسي الابتدائي (27 بالمائة)، وإنما كذلك المتعلمات البالغات لمستوى الثانوي بما يربو عن 33 بالمائة وبنسبة أقل لدى  فئة الجامعيات تصل إلى 6.6 بالمائة.
ولم تستثن عملية الرصد، التي كانت وراءها “عيون نسائية”، تجليات العنف واسعة الانتشار، ليتضح أن العنف النفسي يحتل الصدارة في النتائج الإحصائية لتصريحات المعنفات، إذ بلغ عدد الأفعال المصرح بها 13 ألف و174 فعل عنيف شمل الإهانات والتهديد بالضرب أو بالطرد أو بالتعدد أو بالطلاق، بل حتى التهديد بالقتل المؤدية إلى إصابة الضحية بأمراض نفسية بلغت حد الإقدام على الانتحار.
وفي الأخير يمكن القول إن كل هذه الأرقام التي يتم تسجيلها كل سنة، والتي تبقى بعيدة عن الواقع الذي يعرف الكثير من حالات العنف التي تظل طي الكتمان، توضح أن المغرب مجتمع مركب ومتناقض،  فبالقدر الذي يحضر صوت الرفض والمطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة، بالقدر الذي تحضر فيه التجاوزات في حقها، وهذا ما يجعل العلاقة مع النصف الآخر من المجتمع يشوبها التردد، الأمر الذي يحضر داخل القانون والأسرة والمجتمع ككل، وبهذا فالمجتمع المغربي يرى في المرأة نصف المجتمع وفي نفس الوقت “الكائن الضعيف بيولوجيا”