صفات الله
صفات الله
الحمد لله الذي أرسل رسوله الأعظم، ونبيه الأفخم الذي دعا الناس إلى الخير والرشاد، وأيده الله بالمعجزات الباهرات، وأنطقه بالحكم البالغة، صلى الله عليه وعلى ءاله وصحابته الأخيار، ما أشرقت شمس وتعاقب ليل ونهار.
وبعد، فقد قال ربنا عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم }فلولا نفر من كل فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقَّهوا في الدينِ وليُنذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون{، وقال تعالى }فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات{، فهذه الآية إشارة إلى علم التوحيد بقوله تعالى }فاعلم أنه لا إله إلا الله{، وإشارة إلى علم الفروع ببقية الآية، وقد قدَّم الله تعالى ما فيه إشارة إلى علم التوحيد على ما فيه إشارة إلى علم الفروع، فعلمنا من ذلك أنه أولى من علم الفروع وهو أفضل العلوم وأعلاها وأشرفها، وقد خصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه بالترقي في هذا العلم فقال: "فوالله إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية" رواه البخاري.
وقد اعتنى العلماء بهذا العلم تدريسًا وتحفيظًا وتفهيمًا حتى قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: "أحكمنا هذا قبل ذاك" أي أتقنا علم التوحيد قبل فروع الفقه، وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في الفقه الأبسط: "اعلم أن الفقه في الدين أفضل من الفقه في الأحكام"، وقال إمام الهدى أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه: "أول ما يجب على العبد العلم بالله ورسوله ودينه".
صفات الله : الصفة الأولى- الوجود
الأصلُ الذي تُبنى عليه العقيدةُ الإسلاميةُ معرفةُ الله ومعرفةُ رسولِهِ، فمعرفةُ الله هو العلمُ بأنه تعالى موجودٌ، فيجب اعتقادُ أنه تعالى موجودٌ في الأزلِ أي لا ابتداءَ لوجودِهِ ، قال تعالى: }أفي الله شَكٌ{ وقال: }هو الأوَّلُ{ أي هو الذي لا ابتداءَ لوجودِهِ، روى البخاريُّ في الصحيحِ والبيهقيُّ وأبو بكرِ بن الجارودِ عن عمرانَ بنِ الحُصينِ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جاءَه قومٌ من أهلِ اليمنِ فقالوا: يا رسولَ الله جئناك لنَتَفَقَّهَ في الدينِ ولنسألَكَ عن بدءِ هذا الأمرِ ما كانَ، وفي لفظٍ: "عن أولِ هذا الأمر"، قال: "كان الله ولم يكن شىءٌ غيرُهُ وكان عرشُهُ على الماءِ وكتَبَ في الذّكرِ كُلَّ شىءٍ". كانَ سؤالُهُم عن أولِ العالمِ ثم الرسولُ أجابَهُم بما هو أهَمُّ من ذلِك وهو قولهُ: "كان الله ولم يكن شىءٌ غيرُهُ" أي أن الله موجودٌ في الأزلِ لا ابتداءَ لوجودِهِ ولم يكن في الأزلِ معه شىءٌ أي لا زمانٌ ولا مكانٌ ولا أجرامٌ([5]).
وأتبَعَ ذلك جوابَهُم بأن الماءَ والعرشَ وُجِدا قبلَ غيرهِما من المخلوقاتِ فأعلمهُم أن الماء قبل العرشِ لأنه لما قال لهم "وكان عرشُهُ على الماءِ" أفهمَهُم أن الماءَ خُلق قبل العرشِ.
وأما معرفةُ الرسولِ فهو العِلمُ بأنهُ مبلغٌ عن الله صادقٌ فيما جاءَ به في الإيجابِ والتحريمِ والإخبارِ عن ما مضى وعما ما سيَحدُثُ في الدنيا والبرزخِ والآخرةِ، فمن جزَمَ بذلك بلا شكٍّ ولا ارتيابٍ فهو عارفٌ بالله ورسولِهِ ومؤمِنٌ بالله ورسولِهِ سواءٌ عرَفَ الدليلَ العقليّ على ذلك أو لم يَعرِف. وضلت المعتزلةُ باشتراطِ معرفَةِ الدليلِ العقليّ لصحةِ الإيمانِ، وأما أهلُ الحقّ فلا يَشتَرطونَ ذلك ولكنهُم يرونَ الاستدلالَ على وجودِ الله تعالى بدليلٍ عقليّ ولو كان إجماليًّا واجبًا، وهذا الدليل الإجماليُّ حاصلٌ لكلّ مؤمنٍ ولو لم يعرف ترتيبَ هذا الدليلِ كأن يقالَ العالمُ مُتغيرٌ وكلُّ مُتغيرٍ حادثٌ فالعالم حادث فلا بد له من محدِثٍ وهذا المحدِثُ هذا الموجِدُ هو الذي يسمى الله، فإن من نظرَ بعقلِهِ نظرًا صحيحًا يدلُّه على ذلك. والاستدلالُ الإجماليُّ لا يخلو منه المسلمُ العالِمُ أو العاميُّ ويسمى ذلك الاستدلالُ استدلالا طبيعيًّا. ولا يُتصَوَّرُ فِقدانُ الدليلِ الإجماليّ في مسلمٍ إلا فيمن نشأ على شاهقِ جبلٍ سمع أُناسًا يقولونَ إن للخلقِ ربًّا خلقهم يستحقُّ العبادَة عليهم، فصدَّقهُم إجلالا لهم عن الخطَإ واعتقدَ ذلك ولم يتفكر في شىء من الدليل، وهذا أيضًا إيمانُه صحيحٌ لكنه يجبُ عليه الاستدلالُ. فالمؤمنُ الذي لم يستدلَّ قال أهلُ الحقّ إنَّهُ عاصٍ وذلك لأن الله تباركَ وتعالى أمَرَ بالتّفكُّرِ في خلقِهِ ليستدلوا بحالِ العالمِ على وجودِ خالقِهِ. ثم بعد معرفةِ وجودِ الله تعالى وتفردِه باستحقاقِ
الحمد لله الذي أرسل رسوله الأعظم، ونبيه الأفخم الذي دعا الناس إلى الخير والرشاد، وأيده الله بالمعجزات الباهرات، وأنطقه بالحكم البالغة، صلى الله عليه وعلى ءاله وصحابته الأخيار، ما أشرقت شمس وتعاقب ليل ونهار.
وبعد، فقد قال ربنا عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم }فلولا نفر من كل فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقَّهوا في الدينِ وليُنذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون{، وقال تعالى }فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات{، فهذه الآية إشارة إلى علم التوحيد بقوله تعالى }فاعلم أنه لا إله إلا الله{، وإشارة إلى علم الفروع ببقية الآية، وقد قدَّم الله تعالى ما فيه إشارة إلى علم التوحيد على ما فيه إشارة إلى علم الفروع، فعلمنا من ذلك أنه أولى من علم الفروع وهو أفضل العلوم وأعلاها وأشرفها، وقد خصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه بالترقي في هذا العلم فقال: "فوالله إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية" رواه البخاري.
وقد اعتنى العلماء بهذا العلم تدريسًا وتحفيظًا وتفهيمًا حتى قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: "أحكمنا هذا قبل ذاك" أي أتقنا علم التوحيد قبل فروع الفقه، وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في الفقه الأبسط: "اعلم أن الفقه في الدين أفضل من الفقه في الأحكام"، وقال إمام الهدى أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه: "أول ما يجب على العبد العلم بالله ورسوله ودينه".
صفات الله : الصفة الأولى- الوجود
الأصلُ الذي تُبنى عليه العقيدةُ الإسلاميةُ معرفةُ الله ومعرفةُ رسولِهِ، فمعرفةُ الله هو العلمُ بأنه تعالى موجودٌ، فيجب اعتقادُ أنه تعالى موجودٌ في الأزلِ أي لا ابتداءَ لوجودِهِ ، قال تعالى: }أفي الله شَكٌ{ وقال: }هو الأوَّلُ{ أي هو الذي لا ابتداءَ لوجودِهِ، روى البخاريُّ في الصحيحِ والبيهقيُّ وأبو بكرِ بن الجارودِ عن عمرانَ بنِ الحُصينِ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جاءَه قومٌ من أهلِ اليمنِ فقالوا: يا رسولَ الله جئناك لنَتَفَقَّهَ في الدينِ ولنسألَكَ عن بدءِ هذا الأمرِ ما كانَ، وفي لفظٍ: "عن أولِ هذا الأمر"، قال: "كان الله ولم يكن شىءٌ غيرُهُ وكان عرشُهُ على الماءِ وكتَبَ في الذّكرِ كُلَّ شىءٍ". كانَ سؤالُهُم عن أولِ العالمِ ثم الرسولُ أجابَهُم بما هو أهَمُّ من ذلِك وهو قولهُ: "كان الله ولم يكن شىءٌ غيرُهُ" أي أن الله موجودٌ في الأزلِ لا ابتداءَ لوجودِهِ ولم يكن في الأزلِ معه شىءٌ أي لا زمانٌ ولا مكانٌ ولا أجرامٌ([5]).
وأتبَعَ ذلك جوابَهُم بأن الماءَ والعرشَ وُجِدا قبلَ غيرهِما من المخلوقاتِ فأعلمهُم أن الماء قبل العرشِ لأنه لما قال لهم "وكان عرشُهُ على الماءِ" أفهمَهُم أن الماءَ خُلق قبل العرشِ.
وأما معرفةُ الرسولِ فهو العِلمُ بأنهُ مبلغٌ عن الله صادقٌ فيما جاءَ به في الإيجابِ والتحريمِ والإخبارِ عن ما مضى وعما ما سيَحدُثُ في الدنيا والبرزخِ والآخرةِ، فمن جزَمَ بذلك بلا شكٍّ ولا ارتيابٍ فهو عارفٌ بالله ورسولِهِ ومؤمِنٌ بالله ورسولِهِ سواءٌ عرَفَ الدليلَ العقليّ على ذلك أو لم يَعرِف. وضلت المعتزلةُ باشتراطِ معرفَةِ الدليلِ العقليّ لصحةِ الإيمانِ، وأما أهلُ الحقّ فلا يَشتَرطونَ ذلك ولكنهُم يرونَ الاستدلالَ على وجودِ الله تعالى بدليلٍ عقليّ ولو كان إجماليًّا واجبًا، وهذا الدليل الإجماليُّ حاصلٌ لكلّ مؤمنٍ ولو لم يعرف ترتيبَ هذا الدليلِ كأن يقالَ العالمُ مُتغيرٌ وكلُّ مُتغيرٍ حادثٌ فالعالم حادث فلا بد له من محدِثٍ وهذا المحدِثُ هذا الموجِدُ هو الذي يسمى الله، فإن من نظرَ بعقلِهِ نظرًا صحيحًا يدلُّه على ذلك. والاستدلالُ الإجماليُّ لا يخلو منه المسلمُ العالِمُ أو العاميُّ ويسمى ذلك الاستدلالُ استدلالا طبيعيًّا. ولا يُتصَوَّرُ فِقدانُ الدليلِ الإجماليّ في مسلمٍ إلا فيمن نشأ على شاهقِ جبلٍ سمع أُناسًا يقولونَ إن للخلقِ ربًّا خلقهم يستحقُّ العبادَة عليهم، فصدَّقهُم إجلالا لهم عن الخطَإ واعتقدَ ذلك ولم يتفكر في شىء من الدليل، وهذا أيضًا إيمانُه صحيحٌ لكنه يجبُ عليه الاستدلالُ. فالمؤمنُ الذي لم يستدلَّ قال أهلُ الحقّ إنَّهُ عاصٍ وذلك لأن الله تباركَ وتعالى أمَرَ بالتّفكُّرِ في خلقِهِ ليستدلوا بحالِ العالمِ على وجودِ خالقِهِ. ثم بعد معرفةِ وجودِ الله تعالى وتفردِه باستحقاقِ